جَــــدّد حـــيـــاتــــــك بالـقـــــــــــــــــــــــرآن
كيف ننتفع بالقرآن ونعمل به؟
كيف ننتفع بالقرآن، وكيف نغير به نفوسنا إلى الأفضل، وكيف نغير به واقعنا وعالمنا إلى الأفضل؟ وذلك كما انتفع به أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وغيروا به وجه الدنيا.
5/10/2025


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صَلَى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسَلَم تسليما كثيرا.
قال الله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الزخرف – 43)
قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت البشرية تتخبط في ظلمات بعضها فوق بعض، في كل نواحي الحياة، وفي خلال 23 عاما، نجح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تربية أمة عظيمة، ونجح في تغيير حياة الناس إلى الأفضل، فقد حوّل الناس من عُباد أصنام وحجارة، إلى صناع علم وحضارة. وحولهم من رعاة للغنم إلى قادة للأمم.
وفي المجمل، نجح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تغيير حال العرب من يائسين وبائيسن ومحبطين وفقراء ومساكين وضعفاء ومستضعفين إلى أن جعلهم أبطالا وفاتحين وأقوياء وأتقياء وأغنياء.
السر في ذلك هو هذه الرسالة التي أنزلها الله تعالى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رسالة الإسلام، والتي تتمثل في كتاب الله، القرآن الكريم، وفي تطبيق النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتعاليم هذا القرآن في واقع الحياة.
ما نريد أن نصل إليه، هو أن هذا القرآن، كلام الله، رسالة الله إلى البشر الذين يعيشون على كوكب الأرض، هو العامل الأكبر في تغيير النفوس إلى الأفضل، وفي تغيير واقع الحياة إلى الأفضل.
وهذا القرآن ما زال هو هو بين أيدينا لم ينقص حرفا ولم يزد حرفا، وذلك كما تعهد الله بحفظه، فلم يًحرَّف ولم يُبدَّل ولم يندثر كما حُرفت وبُدلت واندثرت الكتب السابقة، وذلك رغم حروب أعداء الله على القرآن وأهله عبر القرون.
السؤال هنا هو: كيف ننتفع بالقرآن، وكيف نغير به نفوسنا إلى الأفضل، وكيف نغير به واقعنا وعالمنا إلى الأفضل؟ وذلك كما انتفع به أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وغيروا به وجه الدنيا.
وهذا سؤال كبير شغل بال العلماء والدعاة، وكُتب حوله الكثير من الكتب والتفاسير والأبحاث والدراسات، بمختلف اللغات. تعالوا نبحث عن إجابة هذا السؤال في آيات القرآن الكريم نفسه، وهو قرآن كريم ملئ بالخيرات السابغة والأجوبة الشافية.
هناك بعض الأسباب والعوامل، من عملها وأخذ بها انتفع بالقرآن ووجد أثر القرآن وحلاوته في حياته وأخلاقه وأعماله وأحواله، من هذه العوامل:
1 - معرفة قيمة القرآن (كلام الله تعالى، هدى للناس)
كان الصحابة الكرام، رضي الله عنهم، يعرفون قيمة الوحي، وأن القرآن هو كلام الله، آيات الله، وفيه رسالة الله إلى البشر.
عن أنس بن مالك: قالَ أبو بَكرٍ بعدَ وفاةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لعُمرَ انطلِق بنا إلى أمِّ أيمنَ نزورُها كما كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يزورُها قالَ فلمَّا انتَهينا إليْها بَكت فقالا لَها ما يبْكيكِ فما عندَ اللَّهِ خيرٌ لرسولِهِ قالت إنِّي لأعلمُ أنَّ ما عندَ اللَّهِ خيرٌ لرسولِهِ ولَكن أبْكي أنَّ الوحيَ قدِ انقطعَ منَ السَّماء قالَ فَهيَّجَتْهما على البُكاءِ فجعلا يبْكيانِ معَها) أخرجه مسلم وابن ماجه.
فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعلمون معنى نزول الوحي من السماء إلى الأرض، ويعرفون قيمته، ويقدرونه حق قدره، لذلك كانوا يسارعون إلى العمل به والاستجابة لأوامره.
وهذا ما ينبغي أن نكون عليه، نعرف معنى أن الله اختصنا واختارنا وأنزل إلينا أفضل كتبه، وأن الله حفظ لنا هذا الكتاب، الذي فيه كلامه وآياته، لنهتدي بها ونعمل بها ونسير على ضوئها في هذه الحياة.
أن نعلم أن القرآن هو كتاب الحق، وأن اتباعه والعمل بما فيه سبب لتكفير السَّيِّئات وإصلاح البال، كما قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [محمد: 2]. أي: يؤمنون بأنَّ القرآنَ هو الحقُّ من ربهم، وهذا معنى من معاني الإيمان بالقرآن، وهو أحد أركان الإيمان المتمثل في الإيمان بالكتب.
2 - التعامل مع القرآن بقلب تقي، وليس بعقل مجادل
قال الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة في كتاب (الفوائد): إذا أردتَ الانتفاع بالقرآن: 1 - فاجمع قلبَك عند تلاوته وسماعه.. 2 - وألْقِ سمعَك، 3 - واحضرْ حضور من يخاطبُه به من تكلَّم به سبحانه ؛ فإنّه خطابٌ منهُ لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم... قال تعالى : (إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقَى السَّمعَ وهو شهيدٌ).
فالقرآن هو هو، وما زال تأثيره كما هو، ولكن يحتاج فقط إلى جهاز استقبال سليم، وهو القلب الحي، ويحتاج إلى طريقة استقبال سليمة، وهي الاستماع والإنصات بحضور قلب تقي يخشى الله ويخاف وعيده، هنا يحدث الانتفاع والتذكر بالقرآن. كما قال الله تعالى: (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين، لينذر من كان حيا)، كما قال الله تعالى: (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد)
3 - تقرأ القرآن وأنت تعلم أنه رسالة من الله إليك
قال الحسن البصري: (إن من كان قبلكم رأوا هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويعملون بها بالنهار)
فحين تقرأ وتستمع وتدبر وتتعلم القرآن فلا بد أن تضع في حسابك أنك تتعلم آيات القرآن، لتزكي بها نفسك، وتصلح بها شأنك، وتصحح بها أخطاءك، وتعل بها مسارك في الحياة.
وهذا هو طريق الفلاح في الدُّنيا والآخرة كما قال الله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].
4 - تقرأ القرآن بنية العمل بما فيه (إنما نزل القرآن ليُعمل به)
الغاية الأسمى من إنزال الله تعالى القرآن إلى الناس هي العمل بما فيه، وما التلاوة والتدبر والفهم والتعلم إلا أهداف مرحلية للوصول إلى العمل بالقرآن، ليسعد الإنسان في الأرض وفي السماء.
عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إذا تَعَلَّمَ عَشْرَ آياتٍ لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يَعْرِفَ مَعَانِيهِنَّ، والعَمَلَ بِهِنَّ».
وعن النواس بن سمعان، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُؤْتَى بِالْقُرْءانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقَدَّمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَءالُ عِمْرَانَ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا). رواه مسلم.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «إِنَّما نَزَلَ القُرْآنُ ليُعْمَلَ به، فَاتَّخَذَ النَّاسُ قِرَاءَتَهُ عَمَلًا. قِيلَ: كَيْفَ العَمَلُ بِهِ؟ قَالَ: أَيْ لِيُحِلُّوا حَلاَلَهُ، ويُحَرِّمُوا حَرَامَهُ، ويَأْتَمِرُوا بِأَوامِرِهِ، ويَنْتَهُوا عَنْ نَواهِيهِ، ويَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِه».
أي تتعامل مع أوامر القرآن مثل تعامل الجندي حي يأخذ أوامره في أرض المعركة، فهو يتلقى أوامره لينفذها لا ليناقشها ويتجادل فيها.
هكذا ينبغي أن نتعامل مع القرآن: نتلقى أوامره لكي نعمل بها وننفذها، إيمانا بأنها أوامر الله وهو خالقنا وهو أعلم بنا منا، وهو أرحم بنا منا، فنطيع أوامر الله ونحن نوقن أن في طاعته نجاتنا وسعادتنا في الدنيا وفوزنا وفلاحنا في الآخرة.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 121] قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي (يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه)
أثر العمل بالقرآن على حياة الإنسان:
إذا عملنا بأوامر القرآن وانتهينا عن نواهيه تغير حالنا إلى الأفضل على المستوى الشخصي، وعلى المستوى العام.
ولذلك تجد من يقرأ القرآن ويتعلم القرآن ويعمل به له سمات وصفات لا بد أن تظهر عليه: فستجده قوي الإيمان راسخ اليقين، قوي الصلة بالله، سريع الاستجابة لله ورسوله، يتقِ الله في السر والعلن.
ستجد أن صاحب القرآن: عظيم الصبر شديد الاحتمال، واسع الأمل، محسنا في العمل، يؤثر العمل ويبتعد عن الجدل، يتحرى الحلال، ويبتعد عن الحرام.
ستجد أن صاحب القرآن: منشرح الصدر مطمئن القلب، شاكرا في السراء صابرا في الضراء، يقف في وجه المصاعب، ولا تكسره الشدائد.
ستجد صاحب القرآن حتما: حَسَن الخلق كثير الذكر، كثير الدعاء بالهدى والتقى، كثير الإنفاق والصدقة، حتى لو بالقليل،وذلك لكثرة الآيات التي يقرؤها وتحثه على هذه الأخلاق الحميدة والسلوكيات الراقية.
ههذه الأخلاق هي أخلاق المؤمنين بشكل عام، ولكن القرآن يعمق هذه الأخلاق في نفس المؤمن. ويجعل المؤمن يتفاعل بهذه الأخلاق مع الواقع الذي يعيش فيه، ومع الأحداث من حوله.
أمثله تطبيقية من العمل بالقرآن: إطعام الطعام
ستجد أن صاحب القرآن يحب إطعام الطعام للمساكين والجائعين، فهو يقرأ قول الله تعالى: (فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيما ذا مقربة، أو مسكينا ذا متربة)، ويقرأ قول الله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)، ويعلم قول الله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)
وبذلك ينظر صاحب القرآن إلى أوقات الشدائد والغلاء والجوع، على أنها ربما تكون فرصة ليقوم فيها بواجب إطعام الطعام وتخفيف المصاب وإغاثة الملهوف وإطعام الجائع، مثل إطعام الجوعى والمحاصرين في غزة وفي السودان وفي أي مكان آخر، وهؤلاء الناس هم أخيار وأهل خير، وكرام وأهل كرم، ولكنهم يمرون بأزمة وستنجلي قريبا بإذن الله، ولكن الكيّس الفَطِن هو من يستثمرها ويجعلها حسنة في ميزان حسناته، وبذلك يقدم لنفسه خيرا وسيجده عند الله خيرا وأعظم أجرا بإذن الله تعالى.
ولذلك يسارع المؤمن في إطعام الطعام للجائعين، على قدر استطاعته، بأي وسيلة كانت، وهو أمر يسير على من يسره الله عليه. ومن يتحر الخير يُعطه. ومن يسعى للخير ويطلبه بصدق، يوفقه الله إليه ويسهل له طريقه.
وتأمل قول الله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)
يعني في وقت حب المال والطعام، ووقت قلة المال والطعام، في وقت تعلق الناس بالمال والطعام، في هذه الأوقات، بإن الأبرار ينفقون ويبحثون عن الجوعى ويطعمونهم، ويبحثون عن المستحقين والمحرومين الذين لا يسألون الناس إلحافا، ويطعمونهم، لذلك وعد الله من يفعل ذلك بأنهم سيكونون من أهل الجنة كما جاء في سورة الإنسان.
بينما على الجانب الآخر، تجد أناسا يستغلون أوقات الشدائد والجوع الأزمات، فيحتكرون السلع، ويرفعون الأسعار، فيزدادون ثراء في الدنيا ويكثرون من ثرواتهم في الدنيا، ولكنهم يُكثرون أيضا من حسابهم في الآخرة، ويطيلون وقوفهم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
المبادرة والمسابقة والمسارعة في الخيرات
تجد القرآن يحث المؤمنين دوما على المسارعة في كل أعمال الخير والبر، ويمدح الذين كانوا يسارعون في الخيرات، ويعلن أن الجنة هي الهدف الأكبر الذي ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون.
فسارع إلى كل عمل خير وبر تنفع به نفسك وأهلك وبلدك وأمتك ودينك. فالمؤمن الحق تجده مشغولا بتهيئة سفينة النجاة لغيره ولنفسه، لعلمه بخطر المعاد، فيهتم بعمله ويشفق على غيره.
تعلم معنا
انطلق معنا في رحلتك لتعلم القرآن الكريم واللغة العربية
تواصل معنا
انضم إلى مجتمعنا التعليمي:
info@quranandlife.net
+20 1113304698
Copyright © 2024 Quran and life