عشر ذي الحجة.. دعوة لاغتنام أفضل أيام العام

إن هذه الأيام العشر من ذي الحجة فرصة ثمينة وموسم عظيم للتقرب إلى الله ونيل رضوانه. فليبادر المسلم باغتنامها قبل فوات الأوان، وليجتهد في أنواع الطاعات والقربات، عسى أن يكون من الفائزين المقبولين.

محمد عبدالمنعم

5/28/20251 دقيقة قراءة

تمضي مسيرة الحياة سريعا يوما بعد يوم، وعاما بعد آخر، وكأن الأيام تتسابق مع الليالي، لتحمل الإنسان إلى مصيره المحتوم، فالأيام مراحل يقطعها الإنسان، والسعيد هو من يغتنم خيرها ويستثمرها في طاعة الله ويعمّر آخرته بالعمل الصالح، بينما يغفل كثير من الناس عن هذه الحقائق ويفرّطون في جنب الله، ويظلمون أنفسهم بحرمانها من هذه الخيرات.

لقد جعل الله الليل والنهار متعاقبين ليتسنى لمن فاته عمل في أحدهما أن يستدركه في الآخر، كما قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62].

ومن حكمة الله تعالى أنه فضل بعض الأيام والليالي على بعض، واختار منها أزمنة مباركة جعلها مواسم للخيرات، تتضاعف فيها الحسنات، وتغفر فيها الذنوب والزلات، ومن أفضل هذه المواسم وأعظمها شأنًا هي الأيام العشر الأُول من شهر ذي الحجة.

فضائل العشر الأوائل من ذي الحجة

لقد خص الله هذه الأيام بفضائل عظيمة ومزايا فريدة، منها:

1. قسم الله تعالى بها: أقسم الله بها في كتابه الكريم لعظمتها، فقال: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1، 2]. وقد أجمع المفسرون، ومنهم ابن عباس وابن الزبير ومجاهد، على أن "الليالي العشر" هي عشر ذي الحجة.

2. الأيام المعلومات: هي الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، والتي قال ابن عباس إنها أيام العشر.

3. اشتمالها على أركان الحج: تتضمن هذه الأيام مناسك الحج، الذي يعد من أفضل الأعمال وأعظمها أجرًا، كما جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ؟ فقال: "إيمانُ باللهِ ورسوله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهادُ في سبيلِ اللهِ". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حجٌ مبرورٌ".

4. يوم عرفة: وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، يوم المغفرة والعتق من النار، الذي يباهي الله فيه بأهل الموقف ملائكته. وصيام هذا اليوم لغير الحاج يكفّر ذنوب سنتين.

5. يوم النحر (يوم الحج الأكبر): وهو اليوم العاشر، خير أيام الدنيا وأعظمها حرمة عند الله. قال ابن القيم: "خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر".

6. أيام منى (أيام التشريق): وهي الأيام التي تلي يوم النحر، أيام رمي الجمار، وهي أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى، وتُعد عيدًا لأهل الإسلام.

7. اجتماع أمهات العبادة: يرى الإمام ابن حجر العسقلاني أن سبب تفضيل عشر ذي الحجة هو اجتماع أمهات العبادة فيها: الصلاة، الصيام، الصدقة، والحج، وهو ما لا يتأتى في غيرها. وقد فضّل بعض العلماء نهار هذه العشر على نهار العشر الأواخر من رمضان، بينما ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، كما فصّل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة

العمل الصالح في هذه الأيام أحب إلى الله وأعظم أجرًا من العمل في غيرها. روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام» يعني أيام العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء». وفي رواية أخرى: «ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خير يعمله في عشر الأضحى».

الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة

1. الحج: أداء فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلاً، فالحج المبرور جزاؤه الجنة.

2. الصيام: يُسن صيام الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة، أو ما تيسر منها، فالصيام من أفضل الأعمال. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة.

3. صيام يوم عرفة (لغير الحاج): صيامه يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده.

4. الأضحية: وهي سنة مؤكدة يوم العيد وأيام التشريق، إحياءً لسنة إبراهيم ومحمد عليهما السلام. والسنة أن يذبحها المسلم بيده، ويأكل منها ويتصدق.

5. الإكثار من الذكر (التكبير والتهليل والتحميد): يُسن الإكثار من التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير. ويُستحب الجهر بالتكبير للرجال في المساجد والأسواق والبيوت، إظهارًا للعبادة وتعظيمًا لله. وقد كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

o صيغ التكبير المشروعة:

§ "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا."

§ "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد."

§ "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد." (وهي صيغة ابن مسعود رضي الله عنه)

6. التكبير المقيد بأدبار الصلوات: يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق (اليوم الثالث عشر من ذي الحجة). هذا هو القول الأصح الذي عليه جمهور السلف والفقهاء.

7. سائر أعمال البر: كالصلاة النافلة، والصدقة، وقراءة القرآن، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الناس، وغيرها من أبواب الخير، فكل عمل صالح في هذه الأيام مضاعف الأجر.

دعوة لاغتنام أفضل الأيام

إن هذه الأيام العشر من ذي الحجة فرصة ثمينة وموسم عظيم للتقرب إلى الله ونيل رضوانه. فليبادر المسلم باغتنامها قبل فوات الأوان، وليجتهد في أنواع الطاعات والقربات، عسى أن يكون من الفائزين المقبولين.

نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.