الجزاء من جنس العمل

وهذا القانون قانون "حساس جدا". فكل حركة وسكنة، وكل همسة ونظرة، وكل نية وفكرة، هي بمثابة بذرة تلقيها في مزرعة أيامك، ولسوف تحصد ثمرتها يوماً ما، حلواً كان أو مُرّاً.

6/22/20251 دقيقة قراءة

gold and silver round frame magnifying glass
gold and silver round frame magnifying glass

إن الله لم يخلق هذا الكون عبثا، ولن يترك الإنسان سدى، وإنما كل شيء خلقه الله بقدر، بنظام دقيق، وقانون محكم، وسنن ثابتة لا تتبدل ولا تتغير

فكما أودع الله في هذا الكون قوانين ثابتة تسير الحياة المادية والفيزيائية بإتقان شديد ودقة متناهية

فكذلك جعل الله عز وجل قوانين ثابتة تنظم الحياة الروحية والقلبية والأخلاقية، فلا شيء يسير اعتباطا في هذا الكون سواء في الجانب المادي المنظور، أو الجانب الروحي الغيبي..

ومن بين هذه القوانين قانون ثابت، لا يحابي قريباً، ولا يجامل وجيهاً، ولا يُستثنى منه صغير ولا كبير. هذا القانون هو "الميزان الحساس" الذي تُوزن به الأعمال، وهو سُنّة "الجزاء من جنس العمل". يجد به كل إنسان عاقبة عمله، ويحصد به كل إنسان ثمار ما زرعه من خير أو شر.

قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]. وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8].

وهذا القانون قانون "حساس جدا". فكل حركة وسكنة، وكل همسة ونظرة، وكل نية وفكرة، هي بمثابة بذرة تلقيها في مزرعة أيامك، ولسوف تحصد ثمرتها يوماً ما، حلواً كان أو مُرّاً.

فلا تظن أن أمراً يمضي سُدى، أو أن أثراً يضيع هباءً. فالمستقبل الذي تخشاه أو ترجوه، ما هو إلا حصاد ما تزرعه اليوم بيدك ولسانك وقلبك.

إن العلم بهذه القاعدة هو في المقام الأول دافع للأعمال الصالحة ، ناه عن الظلم ، زاجر للظالمين ومواس للمظلومين.

ومن يتأمل في دقة هذا القانون، هذا سبب كافي للدعوة إلى الإيمان بالله وخشيته وتقواه

فلو استحضر الظالم الباغي عاقبة ظلمه وأن الله عز وجل سيسقيه من نفس الكأس عاجلا أو آجلا لكف عن ظلمه وتاب إلى الله وأناب ، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه سعيد بن جبير رحمه الله حين قال له الحجاج : [اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك ، فقال : بل اختر أنت لنفسك يا حجاج ؛ فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة].

ولذا كان من القواعد التي قررها القرآن قوله تعالى: "لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا"

وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تحدثت عن قانون "الجزاء من جنس العمل" ومنها، ما جاء في هذه الآيات الكريمة:

"فاذكروني أذكركم"

"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"

"ولينصرن الله من ينصره"

"فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ"

"للذين أحسنوا الحسنى وزيادة"

"هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ"

"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى"

"وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا"

"وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا"

"مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ"

"إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً"

"نسوا الله فنسيهم"

"قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى"

"فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا"

"فيسخرون منهم سخر الله منهم"

"وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم"

"وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين"

والمؤمن له من الله تعالى فوق العدل فضلٌ يمن به عليه في عمله الصالح وخيره وإحسانه، فسنة الله لا تتبدل ولا تتحول في تعامله مع أوليائه ومع أعداءه، وإذا علم المسلم هذه القاعدة الشرعية والسنة الكونية عامل خلق الله تعالى بما يحب أن يعامله الله به.

وفي السنة النبوية هناك أحاديث كثيرة تحدثت عن هذه القاعدة، ومنها:

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علما، سهَّل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السَّكينة، وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه) رواه مسلم

وَرَوَى مُسلِمٌ مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمرِ أُمَّتي شَيئًا فَشَقَّ عَلَيهِم فَاشقُقْ عَلَيهِ، وَمَن وَلِيَ مِن أَمرِ أُمَّتي شَيئًا فَرَفَقَ بِهِم فَارفُقْ بِهِ "

وروى أحمد والترمذي وأبوداوود عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما مُؤمِنٍ سَقى مُؤمِنًا شَرْبةً على ظَمأٍ، سَقاه اللهُ يومَ القِيامةِ منَ الرحيق المَخْتومِ، وأيُّما مُؤمِنٍ أَطعَم مُؤمِنًا على جوعٍ أَطعَمه اللهُ من ثِمارِ الجَنَّةِ، وأيُّما مُؤمِنٍ كَسا مُؤمنًا ثوبًا على عُرْيٍ كَساه اللهُ من خُضْرِ الجَنَّةِ". إسناده ضعيف، وروي موقوفا وهو الصحيح.

وعن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ)،

وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريلُ عليه السَّلامُ فقال : يا محمَّدُ ! عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه، واعمَلْ ما شئتَ فإنَّك مجزِيٌّ به، ثمَّ قال : يا محمَّدُ ! شرفُ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ، وعِزُّه استغناؤُه عن النَّاسِ)