ألا بذكر الله تطمئن القلوب

الحل في الإيمان والطاعة، والرضا والقناعة، والسعي والعمل وبذل كل ما في الاستطاعة. الحل في التقلل من الدنيا ومغرياتها، والبعد عن أهوائها وشهواتها، والتحكم في النفس ورغباتها.

محمد عبدالمنعم

7/5/20251 دقيقة قراءة

البعض يصف هذا العصر بأنه "عصر القلق"، أو بأن "القلق هو مرض العصر" الذي تنشأ عنه كثير من الأمراض النفسية والعضوية كالضغط وأمراض القلب.. نسأل الله أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين.

هل معنى ذلك أنه لم يعد هناك طمأنينة؟

لا، بل إن هناك قلوب يملؤها الطأنينة في كل الأوقات، ولكن الطمأنينة يحتكرها المؤمنون الصالحون العاملون المجاهدون الذاكرون الله كثيرا.

الطمأنينة نوعان:

1. طمأنينة بذكر الله، كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [13:28]، وهذه طمأنينة حقيقية ودائمة ومستقرة ومستمرة.

2. وطمأنينة بالدنيا، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) [10:7]، وهذه طمأنينة مؤقتة وشكلية أي طمأنينة مزيفة، لأنها تزول ويحل محلها القلق إذا تقلبت الدنيا وزالت أسباب متعها من بين يديه، قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [22:11]

سراب الطمأنينة الدنيوية

اعلم، رحمك الله، أن من أعظم حيل الشيطان وتلبيس إبليس على بني آدم، أن يُوهمهم أن الطمأنينة تُنال بكثرة المال، أو علو المنصب، أو اتساع الشهرة، أو الانغماس في الملذات. وما هذه إلا كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.

إن هذه الأمور الدنيوية بطبيعتها متقلّبة، فانية، لا قرار لها. فكيف يُبنى قرار القلب على ما لا قرار له؟ فالمال يذهب، والمنصب يزول، والصحة تعتلّ، والدنيا تتقلب، والناس يتغيرون. ومن علّق قلبه بشيء من هذا، تقلّب مع تقلّبه، واضطرب مع اضطرابه.

إنسان هذا الزمان يجد نفسه محاصرا بضغوط متزايدة. بدءا من الضغوط الاقتصادية الشديدة وصخب الهواتف والانترنت التي توقع الإنسان في دوامات المنافسات والمقارنات ومحاولة تقليد الآخرين، والسعي المحموم وراء الماديات ومجاراة كل ما هو جديد

وإذا أغرق إنسان ما نفسه في الحياة عبر مواقع تواصل افتراضي، يجد أن روابطه وعلاقاته الاجتماعية الحقيقية تتآكل وتتراجع، فيزداد شعوره بالعزلة والوحدة، وفي هذه الحالة سيعاني من تدهور القيم والمبادئ والأخلاق من نفسه وممن حوله، كل هذا يترك الإنسان منهكا في دوامة من القلق ويحرمه من لحظات الهدوء والسكينة والطمأنينة والتمتع بالحياة، ويجعله في بحث دائم عن سكينة قد تبدو بعيدة المنال.

ما الحل إذن؟ وأين الطريق للخروج من هذا المضيق؟

الحل في الإيمان والطاعة، والرضا والقناعة، والسعي والعمل وبذل كل ما في الاستطاعة.

الحل في التقلل من الدنيا ومغرياتها، والبعد عن أهوائها وشهواتها، والتحكم في النفس ورغباتها.

الإنسان مخلوق ضعيف، يحتاج لأن يرتكن لقوي ويأوي إلى ركن شديد.

المؤمن يأوي إلى الله..

وغير المؤمن يركن للمال والمناصب ويركن للذين ظلموا..

من يقبل السير في طريق الله، أي في سبيل الله.. سيجد الطمأنينة والسكينة في كل الأحوال، ومهما تقلبت الأحوال.. أما من يرفض السير في طريق الحصول على الطمأنينة بذكر الله.. فسيسير في طريق الحصول على الطمأنينة بالدنيا، بجمع أسباب الدنيا، وبالانشغال بجمع المال وزيادة المنصب وعلو الرتبة، لسنة واثنين وعشرة وعشرين.. ولكنه تناسى أن طبيعة طريق الدنيا أن فيه كثير من التقلبات، وأنه لا يدوم فيه حال، وأن دوام الحال فيه من المحال.. فحين تنقلب الأحوال، تذهب الطمأنينة بالدنيا ويحل محلها الخوف والقلق على ما جمعه وعمله في غير طريق الله.

الإيمان والأمان

قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، هذه الآية، آية الطمأنينة بدأت بالحديث عن "الذين آمنوا"، فالإيمان أول شروط وأسباب الطمأنينة، فالإنسان بدون إيمان بالله لا شيء، لا وزن له، ولا استقرار له، كريشة في مهب الريح، تقلبه الدنيا يمينا وشمالا، وتلعب به الأهواء ليلا ونهارا. تتخطفه التيارات الجارفة، وتُحركه العواصف الهوجاء، فلا يرسو له قرار، ولا يهتدي له مسار.

أما المؤمن، فإنه كالجبل الأشم، ترسخ جذوره في عمق اليقين، لا تزعزعه رياح الشدائد، ولا تفت في عضده عواصف المحن. يجد في إيمانه مرساة تهدي سفينة عمره، ومنارة تضيء له دروب الحياة المعتمة. فتنبعث من قلبه قوة لا تُقهر، وسكينة لا تزول، وعزيمة لا تَلين، يمضي بها في دروب الدنيا واثق الخطى، مستشعرًا معية ربه، مستمدًا منه العون والقوة.

والسلام مرتبط بالإسلام، والأمان مرتبط بالإيمان ، معنى ومبنى.

إذا الإيمان ضاع فلا أمان، ولا دنيا لمن لم يحيي دينا

ومن رضي الحياة بغير دين، فقد جعل الفناء لها قرينا

والله تعالى علمنا أن العيش في أمن واطمئنان لا يتحقق إلا بتحقيق الإيمان، والبعد عن الظلم والعصيان، فقال الله تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون".

أسباب عملية لحياة مطمئنة

حتى لا يكون الكلام نظرياً، إليك يا طالب السعادة، خطوات عملية مستقاة من كتاب الله وسنة نبيه، تعينك على تحصيل الطمأنينة في واقعك:

أولاً: رسوخ الإيمان بالقضاء والقدر: اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. هذا الإيمان يقطع من قلبك جذور التحسّر على الماضي، والقلق من المستقبل. ويغرس في قلبك الطمأنينة والسكينة.

ثانياً: إن السعادة في الصلاة: كان النبي ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. وقال نبي صلى الله عليه وسلم: "جعلت قرة عيني في الصلاة"، فاجعل من صلاتك ملجأً تفر إليه من هموم الدنيا. أفرغ فيها قلبك، وستعود منها بقلب ممتلئ بالسكينة والنور.

ثالثاً: الرضا والقناعة: انظر إلى من هو دونك في أمور الدنيا، ولا تنظر إلى من هو فوقك، فذلك أحرى ألا تزدري نعمة الله عليك. إن السعادة ليست في أن تملك كل ما تريد، بل في أن تريد (وترضى) بما تملك. القناعة كنز لا يفنى، ومن رزقها فقد حاز طمأنينة عظيمة.

رابعاً: الإحسان إلى الخلق: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء". إن إدخال الفرح على قلب مسلم، أو تفريج كربة مكروب، أو مسح دمعة يتيم، له أثر عجيب في طمأنينة النفس وانشراح الصدر. فالجزاء من جنس العمل، ومن أسعد الناس أسعده الله، ومن يسّر على الناس، يسّر الله عليه، ومن شق على الناس، شق الله عليه، ومن رفق بالناس رفق الله به، ومن رحم الناس وتعامل مع الناس برحمة، رحمه الله وأدخله في رحمته وأنزل عليه رحماته وبركاته.

خامساً: صحبة الصالحين: المرء على دين خليله. فالجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. إنه يذكرك إذا نسيت، ويعينك إذا ذكرت، ووجوده في حياتك بحد ذاته طمأنينة.

عدم التشبه بالكافرين: وعدم تقليد المفسدين، وعدم السير على خطى العصاة، ومقاطعة المفسدين والعصاة، والبعد عن طريق المعاصي، وعدم ارتياد أماكن المعاصي ومواقع وتطبيقات الفساد.

إن الطريق واضح، والباب مفتوح. إن الطمأنينة ليست سلعة تُشترى بالمال، ولا قرارا يُنال بمنصب، ولا شهادة تُنال من جامعة، ولكنها عطية ربانية، ومنحة إلهية، يضعها الله في قلب من أقبل عليه بصدق.