رضيت بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا

ومن رضي بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم اكتفى به، واتخذه نبيا ورسولا، وحبيبا وإماما، وسيدا وقائدا، وقدوة وأسوة، وآمن بذلك، واعتز بذلك، وتشرف بذلك، فلم يبحث عن إمام غيره، ولا عن قدوة سواه.

محمد عبدالمنعم

9/9/20251 دقيقة قراءة

"رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا"

ذِكرٌ جميلٌ ومميز، مميزٌ في كلماته ومفرداته، مميزٌ في مبناه ومعناه، ينشر الرضا والبشر، ويشع بالطمأنينة والسكينة، ويغرس في القلوب الإيمان واليقين..

لذلك شُرع للمسلم أن يفتتح صباحه ومساءه بهذا الذكر العظيم؛ فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من عبد يقول حين يمسي وحين يصبح: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، إلا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة" (الحديث رواه الترمذي وابنُ ماجه).

إن الرضا بالله -تعالى- ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا؛ هو جوهر السعادة، وعنوان الفلاح، وبه يجد العبد المؤمن حلاوة الإيمان؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً" (رواه مسلم)؛ فللإيمان لذة وطعم حلو يجده من حقَّق هذا الرضا، وكلما امتلأ القلب بهذا الرضا كلما عظمت الحلاوة، وازداد الإيمان.

ولأهمية هذا الرضا واحتياج المسلم إلى تأكيده وتذكره على الدوام رُبط بالنداء إلى الصلاة المفروضة خمس مرات في اليوم والليلة؛ فشُرِع للمسلم عقب إعلان المؤذن دخول وقت الصلاة أن يقول من جملة ما يقول في الأذكار عقب الأذان: "رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً"؛ فمن قال ذلك غُفر له ذنبه كما جاء في صحيح مسلم.

قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ).

وقد ذكر العلماء أن الرضا أعلى منازل التوكل؛ فمن رسخ قدمه في التوكل والتسليم والتفويض لله سبحانه وتعالى حصل له الرضا ولا بد، فمن رضي عن ربه رضي الله عنه، بل إن رضا العبد عن الله ما هو إلا من نتائج رضا الله عنه، قال الله سبحانه وتعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)[المائدة: 119]؛ ولذا كان الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين، وفيه جماع الخير؛ كما كتب عمر بن الخطاب لأبي موسى -رضي الله عنهما- يقول: "إن الخير كله في الرضا".

تعالوا نحيا مع معنى "الرضا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا"

من معاني الرضا: الكفاية، فمن رضي بشيء اكتفى به، فمثلا من رضي بنصيبه من رزقه اكتفى به ولم يتطلع لما عند غيره

ومن رضي بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم اكتفى به، واتخذه نبيا ورسولا، وحبيبا وإماما وسيدا وقائدا وقدوة، وآمن بذلك واعتز بذلك، وتشرف بذلك.

معنى أن ترضى بالنبي محمد نبيا ورسولا: أي لا تبحث عن إمام غيره، ولا عن قدوة غيره، فهو يكفيك في هذا الباب وزيادة.

معناه أن لا تسلك طريقا مخالفا لطريقه، ولا ترد قولا له، ولا تستمع لمن يهاجمون سنته.

ترضى به، لأن الله الملك الغني الحميد، ارتضاه واختاره واجتباه، وصفاه واصطفاه، ورضيه أن يكون حاملا لرسالته، ومبلغا لكلماته.

فكيف لا يرضى به العبد الفقير المحتاج إلى الهدى، المحتاج لمن يرشده ويهديه ويخرجه من الظلمات إلى النور.

بلغ العُلا بكماله أضاء الدجى بجماله

صدقت جميعُ مقاله كمُلت جميعُ فعاله

حسنت جميعُ خِلالِه سبق الندى بنواله

كمُلت جميعُ خصالِه صلوا عليه وآله

صلى الله على محمد.. صلى الله عليه وسلم

إن الرضا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً من متطلبات صحة الإيمان، فلا بد ليصح إيمان العبد من التسليم بأن محمَّدَ بنَ عبدِ الله بنِ عبد المطلب بن هاشم القرشيَّ صلى الله عليه وسلم، هو رسول الله، ونبي الله، ومبعوث من الله تعالى بدين الإسلام رسالة الله الخاتمة الكاملة إلى الثقلين، والقناعة بذلك، والاكتفاء به، والسكون إليه وحمده، دون تسخط لذلك أو تحسر عليه أو حزن.

قال العلامة الحافظ ابن رجب رحمه الله: "الرِّضا بمحمدٍ رسولاً يقتضي الرِّضا بجميع ما جاء به من عند الله، وقبولِ ذلك بالتَّسليم والانشراحِ، كما قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65]" [جامع العلوم والحكم].

معنى الرضى بمحمد نبيا ورسولا: أن تؤدي واجباتك نحوه، من الايمان والمحبة والطاعة والاتباع والاقتداء والنصرة.

معنى الرضى بمحمد نبيا ورسولا: أن ترضى بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم إماما.

أي أن تأتم به، يرسم لك طريقك، وترضى بطريقته، فتسير على هديه وتتبع سنته، تعتز بالانتساب إليه وتحبه وتؤمن به وتقتدي به، تنصره وتدافع عنه وتنصر دينه وسنته وشريعته.

قال الله تعالى: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون"

إذن: اختر إمامك بدقة وعناية، لأن إمامك في الدنيا هو إمامك في الآخرة، يوم ندعو كل أناس بإمامهم، فمن اختار النبي إماما، قاده بإذن الله إلى الجنة.

فلا تكن مثل فلان الذي اختار إمامه هواه، وأضل منه من اتبع هوى غيره، فاختار أن يتبع هوى أصحاب الهوى، فتكون عاقبته أن يهوي به هواه في مدارك الردى. والعياذ بالله.

إذن من هو إمامك في هذه الحياة؟

إمامي ونبيي ورسولي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.